أكد الأستاذ الجامعي بكلية الطب والصيدلة بالرباط، عثمان الهرموشي، في تدوينة له على صفحته الشخصية على موقع فايسبوك، أن قطاع الصحة في المغرب يواجه اليوم تحديات مزدوجة: الإصلاح الجذري للأعطاب التاريخية والاحتجاجات المتكررة للمواطنين بسبب طول مسارات العلاج وضعف جودة الخدمات.
وأوضح الهرموشي أن ما يعيشه القطاع الصحي اليوم ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات سنوات من الاختلالات: تشتت مسارات العلاج، ضعف التكامل بين مستويات الرعاية، تعثر صيانة التجهيزات، خصاص في الموارد البشرية، وتفاوت في وتيرة الرقمنة. ورغم ذلك، يشكل الإصلاح الملكي الخيار الاستراتيجي الوحيد لتجاوز هذه الأعطاب، إذ يسعى إلى بناء منظومة صحية حديثة وعادلة، تضع الإنسان في صلب أولوياتها.
وأشار إلى أن الحكومة اتخذت خطوات هيكلية غير مسبوقة في مسار الإصلاح، من خلال المصادقة على القانون الإطار 06-22، وإحداث مؤسسات استراتيجية مثل الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، والوكالة المغربية للدم ومشتقاته، والمجموعات الصحية الترابية، إضافة إلى الهيئة العليا للصحة.
وعلى المستوى المالي، أفاد الهرموشي أن الميزانية المخصصة للقطاع بلغت 33 مليار درهم بزيادة تفوق 60% مقارنة بسنة 2020، ما أتاح إطلاق أوراش إعادة تأهيل نصف المراكز الصحية الوطنية، وتسريع بناء المستشفيات الجامعية لتغطية كافة جهات المملكة، إلى جانب تحسين أوضاع مهنيي الصحة ورفع أجورهم ضمن حوار اجتماعي مسؤول.
وأكد أن الاحتجاجات الأخيرة، مثل تلك التي شهدتها مدينة أكادير، يجب أن تُفهم على أنها تعبير عن معاناة متراكمة وليست رفضاً للإصلاح، مشدداً على ضرورة إشراك جميع الفاعلين الصحيين: الأطباء، الممرضين، الإداريين، أساتذة التمريض والقابلات، لضمان فعالية المنظومة الجديدة.
ولفت الهرموشي إلى أن أعقد تحدٍ يواجه المسؤولين في القطاع هو إيجاد المعادلة بين طموح الإصلاح العميق وثقل الإرث التاريخي، مؤكداً أهمية دعم المهنيين ومواكبتهم عملياً والانفتاح على مختلف مكونات المنظومة ضمن شراكات استراتيجية متوازنة. كما شدد على ضرورة تعزيز دور الهيئة العليا للصحة في تقنين التأمين الإجباري عن المرض، ومراقبة جودة وسلامة الخدمات الصحية في المستشفيات والمراكز الصحية، بما يضمن احترام أعلى معايير النظافة والممارسات الطبية والجراحية.
وختم عثمان الهرموشي تدوينته بالتأكيد على أن إصلاح قطاع الصحة ليس رهناً بولاية حكومية واحدة، بل هو ورشة وطنية طويلة النفس تتطلب تعبئة جماعية وروح وطنية عالية تحت القيادة الملكية، لضمان خدمات صحية عادلة وآمنة لجميع المواطنين، وإعلاء مكانة الإنسان وكرامته في صلب كل تحول.




