في مشهد هادئ ولكنه عميق الدلالة، يواصل ولي العهد الأمير مولاي الحسن نسج ملامح حضوره في الحياة العامة، بعيدًا عن الضجيج، قريبًا من جوهر الدولة المغربية ومؤسساتها، مستحضراً أمانة التاريخ ومقتضيات المستقبل.
في الثامن من شهر ماي ، أطفأ ولي العهد شمعة عامه الثاني والعشرين. حدثٌ مرّ بهدوء، لكنه لم يخلُ من رمزية عميقة تتجاوز إطار الاحتفال، لتسلّط الضوء على شخصية شابة تتشكل داخل فضاء ملكي يتقن فن التكوين المتدرج والمسؤول.
منذ ولادته عام 2003، حرصت المؤسسة الملكية على إعداد مولاي الحسن في بيئة متوازنة تجمع بين التكوين الأكاديمي الصارم والتمرّس على المهام الرسمية. تلقى تعليمه في الكلية الملكية، ويتابع اليوم دراساته العليا في مجال الحكامة والعلوم الاجتماعية بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية.
وخلال السنوات الأخيرة، بدأت خطواته الرسمية تزداد رسوخاً: من تمثيله للمملكة في قمم دولية، إلى حضوره افتتاح الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس في أبريل الماضي، إلى إشرافه على انطلاق عملية “رمضان 1446” للتضامن الاجتماعي رفقة الأميرة للا خديجة.
هذه المساهمات ليست مجرد مهام بروتوكولية، بل تجسيد لمدرسة مغربية في إعداد الورثة: مدرسة تنأى عن المبالغة في الظهور، وتراهن على بناء الوعي بالمسؤولية الوطنية بتأنٍّ وثقة.
ومن بين الإشارات الرمزية اللافتة، رفض الأمير تقبيل يده في عدد من المناسبات، وهي إيماءة فسّرها كثيرون بأنها ترجمة لرؤية جديدة أكثر قرباً من المواطنين وأقل تكلفاً، دون أن تنفصل عن التقاليد الملكية. ذلك أن الانفتاح لا يلغي الجذور، بل يعيد قراءتها بروح العصر.
الاحتفال بذكرى ميلاده شكل أيضاً لحظة وجدانية للشعب المغربي، الذي اعتاد مشاركة الأسرة الملكية هذه المناسبة سنويًا. وارتبط اسم ولي العهد باسمين كبيرين في تاريخ المغرب، السلطان مولاي الحسن الأول، والملك الراحل الحسن الثاني، في تجسيد لاستمرارية العرش العلوي، الذي ظل لأزيد من ثلاثة قرون رمزًا لوحدة الوطن ومقدساته.
اليوم، يمثل مولاي الحسن بشخصيته المتزنة وظهوره المتدرج، نموذجاً لوريث ملكي يتم إعداده على مهل، بتوازن بين العراقة والانفتاح، بين الدولة والتاريخ، وبين القيادة المنتظرة وروح الشباب.
إنه وعدٌ هادئ لمغرب الغد.