إعفاءات وزارة التعليم: قرار إداري أم تصفية حسابات ميدانية؟

إعفاءات وزارة التعليم: قرار إداري أم تصفية حسابات ميدانية؟

أثار قرار وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بإعفاء 16 مديرًا إقليميًا دفعة واحدة، في شهر مارس الماضي، موجة من الجدل داخل الأوساط التربوية والإدارية، خصوصًا بعد أول تعليق رسمي من الوزير محمد سعد برادة، الذي وصف العملية بـ”الطبيعية” و”الضرورية” لإعادة ضخ دماء جديدة في الإدارة التربوية.

لكن، بعيدًا عن لغة التبرير، يبدو أن هذا القرار يطرح إشكالات أعمق، تتعلق أساسًا بكيفية تدبير القطاع، ومدى مصداقية المعايير المعتمدة في تقييم المسؤولين، ومدى احترام مبدأ الاستمرارية المؤسساتية في بلد لا زالت فيه المنظومة التعليمية تعاني من اختلالات بنيوية حادة.

الوزير أكد أن بعض المعفيين قضوا أكثر من عشر سنوات في مناصبهم، وأن تقارير تفتيشية صدرت في حق اثنين منهم، كما أشار إلى أن أغلب الإعفاءات جاءت بناءً على طلبات من الأكاديميات. لكن هذا التبرير، وإن بدا منطقيًا من الناحية الشكلية، لا يصمد أمام تساؤلات جوهرية: لماذا لم تُفعّل هذه الملاحظات في وقت سابق؟ ولماذا يتم الانتظار إلى اللحظة التي تطلق فيها الوزارة مشروع “مدارس الريادة” حتى يُعلن فجأة أن بعض المديرين غير قادرين على مواكبة الورش؟

الانتقاء.. وغياب الثقة في الأطر

من اللافت أن مباراة تعيين المدراء الجدد شهدت تقدم 600 مترشح، ولم يُقبل منهم سوى 20 شخصًا، وهو ما يطرح علامات استفهام كبرى حول مدى نجاعة معايير الانتقاء، وإن كانت تستند فعلًا إلى الكفاءة والخبرة، أم إلى اعتبارات أخرى غير معلنة. تصريحات الوزير حول عدم اقتناعه بأربعة من الناجحين، وفتح المباراة مجددًا، لا تزيد إلا من تعميق الشكوك حول شفافية العملية ومصداقيتها.

ثم إن إعادة فتح المباريات بعد إعلان النتائج يفتح الباب على مصراعيه أمام الطعن في مخرجات المسار برمّته، ويُضعف ثقة الأطر الإدارية والتربوية في وجود مسطرة واضحة، عادلة، ومستقرة.

التعليم العمومي… الاعتراف بالفشل؟

الأكثر إثارة في مداخلة الوزير هو إقراره الصريح بأن المواطنين لم يعودوا يثقون في التعليم العمومي، بل يضطر بعضهم، رغم ضيق ذات اليد، إلى اللجوء للتعليم الخصوصي. تصريح بمثابة اعتراف رسمي بفشل السياسات المتعاقبة في إصلاح المدرسة العمومية، ويكشف حجم الهوة بين التصريحات الوزارية وبين واقع الأقسام والمدارس والمؤسسات التعليمية.

تغيير الوجوه لا يكفي

الإصلاح الحقيقي لا يبدأ من تغيير الأشخاص، بل من تقييم السياسات، ومراجعة الرؤية، وإشراك الفاعلين الحقيقيين في اتخاذ القرار. إعفاء المدراء الإقليميين لا ينبغي أن يكون مجرد واجهة لتصدير المسؤولية، بل يجب أن يصاحبه تقييم شفاف للمشاريع التي أشرفوا على تنفيذها، وربط المساءلة بمستوى الدعم المركزي، لا بمجهودات فردية معزولة في الميدان.

وإلى أن تتحول المدرسة المغربية إلى فضاء للثقة والنجاعة والعدالة، ستبقى مثل هذه القرارات محط شك، ومثار جدل، ودليلًا على أن الإصلاح الحقيقي لا يزال بعيد المنال.

Comments (0)
Add Comment